ظهرت بدعة في
القرن الثاني الهجري زعم أصحابها أنهم قرآنيون وأنهم يكتفون بالقرآن كمصدر
تشريعي ثابت عن الله تعالى ودعوا إلى ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم
وذلك لأهداف خبيثة منها إسقاط العبادات ومعظم الأحكام الشرعية التي لا
تثبت إلا بالسنة إضافة إلى تحريف معاني القرآن الكريم وتفسيرها على هواهم
فمن المعروف أن السنة المشرفة هي التفسير العملي للقرآن الكريم.
ولقد تصدى لهم
علماء الأمة وتم وأد هذه البدعة الضالة في وقتها ولكن بعض الدوائر
الاستعمارية قامت ببعث هذه الأفكار الضالة من جديد على أيدي دعاة مرتزقة
همهم المال والشهرة ولقد جهر بعضهم بشكل واضح على الملء برفضهم للسنة
النبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم أمثال محمد شحرور(1) والدكتور أحمد صبحي
وغيرهم.
بل إن بعضهم قام
بإنشاء موقع سماه القرآنيون وجهر بإنكاره كل ما يخالف القرآن الكريم من
السنة بزعمه حيث يقول ما نصه في سياق تعريفه للقرآني بزعمه :
(نظرة
القرآني للسنة النبوية على وجوه أولا ما أتفق منها مع القرآن فإنه يعمل
بها لأن ذلك هو عمله بالقرآن وما اختلف منها مع القرآن فإنه يرفضة ولا
يؤمن بنسبه لرسول الله لأن الحديث لا ينسخ القرآن لا لفظا ولا حكم)(2).
وفي تعريف آخر للقرآني الوارد ذكره في نفس الموقع قالوا :
(فالقرآني هو كل من اكتفى بالقرآن وحدة مصدرا للتشريع مصداقا لقولة تعالى
"ذلك الكتاب لاريب فيه،هدى للمتقين وقوله تعالى أولم يكفيهم أنا أنزلنا
عليك الكتاب يتلى عليهم ، فالقرآني لما سمع هذا الاستفهام الاستنكاري قال
بلى ثم قال كفانا يا رب الكتاب الذي أنزلته على عبدك ورسولك محمد صلى الله
عليه وسلم يتلى علينا)(3).
باختصار
القرآني بنظرهم هو من يأخذ ما يوافق القرآن من السنة (بزعمهم) ويترك ما
خالف القرآن، ومن يكتفي بالقرآن وحده ويترك السنة في التشريع.
وكما هو معروف
فإن القرآن الكريم لا يخالف السنة النبوية الصحيحة بل إن السنة شارحة
للقرآن ومكملة له وكل كلام النبي صلى الله عليه سياق الأحكام الشرعية هو
وحي من الله تعالى بدون خلاف قال الله تعالى:(وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)(سورة النجم).
أما رسول الله
صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله سبحانه رحمة للعالمين فقد أخبرنا عن
هؤلاء قبل أكثر من 1400سنة وأكد لنا أنهم سوف يظهرون مستقبلاً، في وقت كان
الصحابة ملتفون حوله وقد ظهرت دعوته وسادت في جزيرة العرب، وانتصر على
الوثنية، وكان هذا الخبر مثار استغرابهم.
فهل يعقل أن
يظهر من يزعم انه مسلم وينكر سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي
أرسله الله سبحانه للناس كافة وأمر الناس بأتباع أوامره !.
ولقد حدث ما
أخبر به هذا النبي الصادق بعد وفاته كإشارة على صدقه وتثبيتاً للمؤمنين
وفضحاً لهؤلاء بل إن عبارتهم التي يروجون بها إلى معتقدهم هي نفسها التي
أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن المقدام بن معد يكرب الكندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(
يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم
كتاب الله عز وجل ما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام
حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله )
(رواه ابن ماجة، والألباني في صحيح تخريج المشكاة).
وفي رواية أخرى عن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ
« أَلاَ إِنِّى أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلاَ يُوشِكُ
رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا
الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا
وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلاَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ
لَحْمُ الْحِمَارِ الأَهْلِىِّ وَلاَ كُلُّ ذِى نَابٍ مِنَ السَّبُعِ
وَلاَ لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِىَ عَنْهَا صَاحِبُهَا
وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ
يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ )(سنن أبي دواد ـ
باب لزوم السنة ـ الجزء13 ـ 324).
أما أدلة حجية السنة النبوي الشريفة فكثيرة ولكن نكتفي منها ببعض الأدلة من القرآن الكريم:
دلت عدة آيات من القرآن الكريم على حجية السنة، ووجوب متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم – ومن ذلك :
- الآيات التي
تصرح بوجوب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتباعه، والتحذير من
مخالفته وتبديل سنته، وأن طاعته طاعة لله، كقوله سبحانه : {يـا أيـها الذين آمـنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم } (محمد 33)، وقوله تعالى :
{ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً } (
سورة النساء80)، وقوله :{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا،
واتقوا الله إن الله شديد العقاب } (الحشر 7 ) .
- الآيات التي رتبت الإيمان على طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والرضا بحكمه، والتسليم لأمره ونهيه كقوله تعالى :
{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة
من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا } (الأحزاب 36)، وقوله سبحانه :{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلمواً تسليماً } (النساء 65)، وقوله :{إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } ( النور51).
- الآيات التي
تبين أن السنة في مجملها وحي من الله عز وجل، وأن الرسول - صلى الله عليه
وسلم - لا يأتي بشيء من عنده فيما يتعلق بالتشريع، وأن ما حرم رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - بسنته، مثل ما حرم الله في كتابه:
كقوله سبحانه :{ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين } ( الحاقة 44-47 )، وقوله جل وعلا :
{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله
ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون } (التوبة:29 )، وقوله جل وعلا : {الذين
يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة
والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم
عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } (الأعراف157 ) .
- الآيات الدالة على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم – مبين للكتاب وشارح له، وأنه يعلم أمته الحكمة كما يعلمهم الكتاب:
قوله تعالى :{ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } (النحل 44 )، وقوله : {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } (النحل 64)، وقوله : {لقد
مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } (آل
عمران 164)، وقد ذهب أهل العلم والتحقيق إلى أن المراد بالحكمة سنة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى
(الرسالة 78) : " فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت مَن
أرضى - مِن أهل العلم بالقرآن - يقول : الحكمة سنة رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - وهذا يشبه ما قال - والله أعلم - لأن القرآن ذُكر،
وأُتْبِعَتْه الحكمة، وذكر الله مَنَّه على خلقه : بتعليمهم الكتاب
والحكمة، فلم يجز - والله أعلم - أن يقال الحكمة هنا إلا سنّة رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - وذلك أنها مقرونة بالكتاب، وأن الله افترض طاعة
رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحتم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن
يقال لقول : فرضٌ . إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله : لما وصفنا من أن الله
جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به ..." أهـ(4)
الإعجاز الغيبي:
الإخبار عن ظهور طائفة ممن يزعم أنهم من المسلمين وينكرون السنة النبوية أو ما خالف منها القرآن بزعمهم.
الأخبار بنص حجتهم وهي تركهم كل ما يخالف القرآن الكريم بزعمهم حيث قال النبي صلى الله على حجتهم عنهم أنهم سوف يقولون (بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل ما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه).
إرسال تعليق