غزوة بني قريظة في الكتاب المقدس
عندما نبحث في الكتاب المقدس المعروف الآن عند أهل الكتاب يجب ألا ننسي أننا نبحث في ركام من التحريف سواء بالحذف أو الإضافة أو تبديل كلام الله عن مواضعه.
ولكن هذا لن يكون عائق أو مانع عن وجود أيات صحيحة المتن بمحتوي النص العام في كتابهم المقدس الحالي .
والأن مع بعض النصوص بكتابهم المقدس الحالي التي تخص غزوة بني قريظة:-
11اما انتم الذين تركوا الرب ونسوا جبل قدسي ورتبوا للسعد الاكبر مائدة وملاوا للسعد الاصغر خمرا ممزوجة 12 فاني اعينكم للسيف وتجثون كلكم للذبح لاني دعوت فلم تجيبوا.تكلمت فلم تسمعوا بل عملتم الشر في عيني واخترتم ما لم اسر به. 13 لذلك هكذا قال السيد الرب.هوذا عبيدي ياكلون وانتم تجوعون.هوذا عبيدي يشربون وانتم تعطشون.هوذا عبيدي يفرحون وانتم تخزون. 14 هوذا عبيدي يترنمون من طيبة القلب وانتم تصرخون من كابة القلب ومن انكسار الروح تولولون. 15 وتخلفون اسمكم لعنة لمختاري فيميتك السيد الرب ويسمي عبيده اسما اخر 16 . (سفر أشعياء الإصحاح الخامس والستون)
وفى ترجمة الكتاب المقدس سنة 1995م بلبنان نجد بدل كلمة السعد الأكبر التي في أول النص نجد كلمة(جاد)وبدل كلمة السعد الأصغر نجد كلمة(مناة) والنص هكذا" ونسيتم جبلى المقدس. وهيأتم مائدة للإله جاد ، ومزجتم الخمر للإلهة مناة " والتعليق عندهم: جاد ومناة إلهان عند الكنعانيين,والإختلاف في النصوص واضح أن سببه التحريف لوضوح لفظ (مناة) أنه الصنم الذي حكي عنه القرأن الكريم (ومناة الثالثة الأخري) وأكيد أن (الجاد ومناة) هما بالتالي ما حكي عنهما القرأن الكريم وسماهما(الجبت والطاغوت) وأثبت عبادة اليهود لهم وهكذا سجل التاريخ هذه المَعرة اليهودية،وصور هذه العورة الإسرائيلية في هذا المشهد المخزي من أناس يدَّعون انتسابهم للشرائع السماوية وشهدوا زورًا وكذبًا بصحة دين الأصنام وأحقيته على دين خير الأنام في سبيل لرأب إختلاف العقيدة وتوحيد العزم بينهم وبين المشركين للقضاء علي الاسلام ونبيه .
وبصرف النظر عن الأسماء أياً كانت السعد هى مناة والجبت هي جاد فدلالة النص بسفر أشعياء السابق تبين أنهم نسوا الرب سبحانه عبدوا إلهين غير الله سبحانه وقدموا لهم الموائد والخمر كقرابين وقد سجل القرأن الكريم ذلك الموقف والمثني من هذين الألهين (الجبت والطاغوت) وأكده مسجِلاً مساندة يهودية لدين الأوثان وعبادة غير الله وذلك لتوحيد صفوف الأحزاب للقضاء علي الاسلام وخاتم الأنبياء :
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ، وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا : هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً، أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ، وَمَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا } [سورة النساء أية :51]
وقد نزلت هذه الأيات الكريمة في كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وحرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودعوة العرب لذلك فيما يسمى بغزوة الأحزاب حين قال لهم أبو سفيان ومن معه من المشركين ( أنحن أهدى سبيلا ونحن ولاة نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني ونفعل أم محمد وقد خالف دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم؟ ) فقالو :-(بل أنتم أقوم طريقا) إنه العار الذي لحق بالأمة اليهودية صاحبة الكتاب السماوي، لـمَّا تحالفت مع الوثنية ضد التوحيد .
وإذا رجعنا لنص أشعياء نجد النص يرسم لنا صورة تفصلية لمشهد القصاص وضرب الأعناق بالسيف والجثو علي الركب كماسنتبين ذلك من قصة غزوة بني قريظة من خلال السيرة النبوية وذبح هؤلاء الخونة لعقيدة التوحيد والمتأمرين علي النبي وأصحابه :
11اما انتم الذين تركوا الرب ونسوا جبل قدسي ورتبوا للسعد الاكبر مائدة وملاوا للسعد الاصغر خمرا ممزوجة 12 فاني اعينكم للسيف وتجثون كلكم للذبح لاني دعوت فلم تجيبوا.تكلمت فلم تسمعوا بل عملتم الشر في عيني واخترتم ما لم اسر به. 13 لذلك هكذا قال السيد الرب.هوذا عبيدي ياكلون وانتم تجوعون.هوذا عبيدي يشربون وانتم تعطشون.هوذا عبيدي يفرحون وانتم تخزون. 14 هوذا عبيدي يترنمون من طيبة القلب وانتم تصرخون من كابة القلب ومن انكسار الروح تولولون. 15 وتخلفون اسمكم لعنة لمختاري فيميتك السيد الرب ويسمي عبيده اسما اخر 16.
بعد أن قص النص نسيانهم لله سبحانه وشركهم بهذين الصنمين بعد تركهم كذلك كلام الله سبحانه ودعوته لهم ومقابلة ذلك منهم بالكفر والسعي بالشر تجاه مختاره وعبيده الصالحين مما جعل الله سبحانه يقودهم للذبح بالسيف وهم جاثين علي الركب بسبب ذلك الشر الذي فعلوه وسيكون هذا الذبح علي يد عباد الله سبحانه الطيبين القلب وسيكون إسمهم ليس إسم(اليهود)بل هذا الإسم سيكون مقرون باللعنة والغضب كلما أعلن أحد عنه أمام المؤمنين ولقد حبسهم رسول الله صلي الله عليه وسلم في مبني كبير كماسنبين أحداث الغزوة لاحقاً وجاء بهم المؤمنون فرداً فرداً مرعبون يولولون يقودونهم للذبح
ويقول نص أخر في وصف قائد هذه الغزوة :-
لساني قلم كاتب ماهر 2 أنت ابرع جمالا من بني البشر.انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الابد. 3 تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاءك. 4 وبجلالك اقتحم.اركب.من اجل الحق والدعة والبر فتريك يمينك مخاوف. 5 نبلك المسنونة في قلب اعداء الملك.شعوب تحتك يسقطون 6 كرسيك يا الله الى دهر الدهور.قضيب استقامة قضيب ملكك. 7 احببت البر وابغضت الاثم من اجل ذلك مسحك الله الهك بدهن الابتهاج اكثر من رفقائك. 8 كل ثيابك مرّ وعود وسليخة.من قصور العاج سرّتك الاوتار.9 بنات ملوك بين محظياتك.جعلت الملكة عن يمينك بذهب اوفير 10 اسمعي يا بنت وانظري واميلي اذنك وانسي شعبك وبيت ابيك 11 فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له....){المزامير 45}
فمن هو علي ذاك القائد الذي فيه هذه الصفات المباركة التالية:-
1- اللسان قلم والنعمة التي علي الشفايف مباركة إلي الأبد,لهي إشارة واضحة لأمية النبي محمد صلي الله عليه وسلم وأن وحيه باللسان وكلام الشفايف مبارك إلي الأبد كما قال سبحانه :-(وماينطق عن الهوي) سورة النجم
2- هذه الشخصية المباركة يبين النص أنها مجاهدة وراكبة في سبيل الله لنشر الحق والخير,ويستعمل السيف والسلاح من أجل ذلك,ومعلوم أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد قصوا الكثير من جهاد الرسول والمؤمنين وإنه سوف ينتصر علي شعوب كثيرة وليس شعب واحد كما كان كل الأنبياء عدا النبي محمد صلى الله عليه وسلم,فكل نبي بعثه الله لقومه إلا هو فبعثه الله للناس كافة,ولذا قد نصره الله سبحانه في جهاده وغزواته علي مشركين الأصنام وعلى اليهود وعلى النصارى بجزيرة العرب,وأذعن له نصارى اليمن والروم بالشام ومصر والحبشة,وأهلك الله سبحانه كسرى ملك الفرس وبايع عامله باليمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- سيرته عطرة وبخوره هو العود,ولقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم العود وله عليه أحاديث كثيرة,ومازالت العرب بالجزيرة العربية من أشهر وأكثر مستخدمي العود كبخور وعطور,فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال :"إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءةً لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة ، وأزواجهم الحور العين.." البخاري 3327 مسلم 7078 وزاد في رواية البخاري :" ومجامرهم الألوة الألَنجُوج عود الطيب (مسحك الله الهك بدهن الابتهاج اكثر من رفقائك) وهذا لا يحتاج لتفسير غير أنه أفضل المرسلين وإمامهم وسيد ولد أدم ولا فخر كما أخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم
4-(بنات ملوك بين محظياتك.جعلت الملكة عن يمينك بذهب اوفير 10 اسمعي يا بنت وانظري واميلي اذنك وانسي شعبك وبيت ابيك 11 فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له) وهذا حدث بالفعل مع رسول الله صلي الله عليه وسلم دون غيره من الرسل فكانوا ثلاثة من بنات الملوك إماء له بالأسر(محظيات)وهن جويرية بنت الحارث بنت ملك ثقيف والطائف ومارية القبطية أهداها للنبي المقوفس ملك مصر وهي بنت أحد ملوك بلدة من البلاد وصفية بنت حيي بنت ملك يهود بني النضير .
والأخيرة كما ذكر النص قد نسيت بيت أبيها ونسيت شعبها وكفره وعناده وأسلمت وتزوجت رسول الله بعد أن كانت أمة له صلي الله عليه وسلم .
إن أبوها هو(حيي بن الأخطب) وهو من أعلن عداوته لرسول الله وجهز وألب جيوش مشركي العرب وجمعهم بغزوة الأحزاب ثم دفع بني قريظة لخيانة العهد,وكانت ابنته صفية أمة لملك يمين رسول الله بعد قتل أبوها وشعبه من بني قريظة علي يد رسول الله والصحابة في نهاية الغزوة وبالفعل نسيت صفية بنت حيي أبوها وبيته وشعبها وكفره وأسلمت طائعة مؤمنة تقية لله رب العالمين وأعتقها رسول الله وتزوجها وكانت أم المؤمنين,طائعة لله ولزوجها رسول الله,ولعل طاعتها كانت هي المقصودة بالسجود في النص السابق,لان ذلك كان معروف عند بني إسرائيل كما في قصة يوسف عليه السلام عندما سجدوا له إخوته وهو في الملك .
إنه من العجيب أن تصبح يهودية أماً للمؤمنين بعد إسلامها إلا أن تكون قد نسيت شعبها المغضوب عليه بالفعل,وإن قصة صفية بنت حيي رضي الله عنها لجديرة بالتدبر في كيفية مراقبة الفتاة الزكية لسير الهدي من حولها في المدينة المنورة,لقد تابعت الفتاة صفية بنت حيي عن قرب شهادة أبوها وعمها أن محمداً هو النبي المنتظر الموجود بالتوراة ,وذلك حين قدوم رسول الله للمدينة المنورة في بداية العام الهجري الأول,ثم تفاجأت من أبوها وعمها رغم هذه الشهادة بإعلان عدواتهما للنبي صلي الله عليه وسلم ثم عاصرت بعد ذلك بسنوات انتصار رسول الله والمؤمنين في غزوة الأحزاب ثم سقوط ملك أبيها وملك بني قريظة والنضير وقتلهم وتشريدهم علي يد رسول الله وصحابته في غزوة بني قريظة,فنسيت أبيها وقومها وعرفت أنهم لايستحقوا غير ذلك لإنها شاهدت عدواتهم وكفرهم بعد علم اليقين وشهادته أبيها بلسانه أمامها أن محمد هو رسول الله النبي الخاتم الذي يجدونه مكتوب عندهم بالتوارة,فأمنت برسول الله صلي الله عليه وسلم والإسلام عن قناعة ورضي وطمأنينة لاتتزعزع,وهي مِن سِبطِ اللاَّوِي بن نبى الله اسرائيل بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السلام ثم من ذرية نبى الله هارون عليه السلام,وحيي بن أخطب كان يومئذ سيد اليهود، وهو من بني النضير.
تروى صفية بنت حيي بدايتها مع الاسلام فتقول:
لم يكن أحد من أبي وعمي أحب إليهما مني، لم ألقهما في ولد لهما قط أهش إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول صلى الله عليه وسلم قباء - قرية بني عمرو بن عوف - غدا إليه أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين، فوالله ما جاآنا إلا مع مغيب الشمس.
فجاآنا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا، فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما نظر إلي واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟
قال: نعم والله !
قال: تعرفه بنعته وصفته؟
قال نعم والله !
قال: فماذا في نفسك منه؟
قال: عداوته والله ما بقيت .
وقد رأت صفية رضي الله عنها في منامها كأن قمر السماء قد سقط في حجرها فقصت رؤياها على ابن عمها فلطم وجهها وقال: أتتمنين ملك يثرب أن يصير بعلك فما كان إلا مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصاره إياهم، فكانت صفية في جملة سبي غزوة بني قريظة وكانت عروساً لرسول الله صلي الله عليه وسلم.
ولكن كيف بدأت الغزوة؟
لم يترك بنو قريظة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خيارا آخر، بل ولم يقدموا حتى لأنفسهم ما يسمح له صلى الله عليه وسلم أن يمهلهم، وإنما أثبتوا بكل ما استطاعوا أنهم خطر الخيانة والغدر ونقض العهد والتبييت لقتل المسلمين إن لم يستأصلهم المسلمون في أسرع وقت، وهذا ما حدث، فسار الرسول إليهم بمجرد أن انسحب الأحزاب وحاصرهم حتى استسلموا له
فإن كانت قصة الأحزاب قد انتهت فقصة بني قريظة لم تنته بعد،فاليهود أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء المؤمنين وأعداء الحق وأعداء الأخلاق الحميدة .
رجع الرسول من الخندق بعد صلاة الصبح وذهب إلى بيته بعد غياب قرابة الشهر وبعد عناء كبير ومشقة بالغة اغتسل ، فإذا بجبريل قد جاء عند الظهر فقال له: قد وضعت السلاح؟! والله ما وضعناه. أي: نحن الملائكة لم نضعه بعد.
بل في رواية عن السيدة عائشة في الطبري تقول: فكأني بالرسول يمسح الغبار عن وجه جبريل. أي أن جبريل كان يقاتل قتالاً حقيقيًّا في أرض المعركة.
قال جبريل: اخْرُجْ إِلَيْهِمْ.
قال النبي : "فَأَيْنَ؟"فأشار إلى بني قريظة.
وفي رواية أن جبريل قال: "فَإِنِّي سَائِرٌ أَمَامَكَ أُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَأَقْذِفُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ".
وهكذا سار جبريل في موكبه من الملائكة، أما الرسول فقد أمر المسلمين بالتوجه السريع إلى بني قريظة، لم يمهلهم حتى يرتاحوا بعد هذا الشهر الصعب من الحرب والحصار، الراحة هناك في الجنة أما الدنيا فدار عمل، قال لهم: "لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ".
وهكذا اجتمع الرسول والصحابة في ثلاثة آلاف مقاتل ( غير الملائكة) في حصار بني قريظة، واستمر الحصار خمسًا وعشرين ليلة .
هل نتصور أن يستمر الحصار كل هذه المدة، بعد جهد ومشقة كان المسلمون فيها منذ شهر بأكمله، ألا يزال بوسعهم أن يحاصروا اليهود، بل ويتحولون من محاصَرين إلى محاصِرين، لقد تغير الحال في لحظات من الهزيمة إلى النصر.
مَا بَيْنَ طَرْفَةِ عَيْنٍ وَانْتِبَاهَتِهَا *** يُبَدِّلُ اللَّهُ مِنْ حَالٍ إلى حَـالٍ
نهاية الحصار وتحكيم سعد بن معاذ
وفي نهاية ذلك الحصار قذف الله الرعب في قلوب اليهود، فاستسلموا وخضعوا لحكم رسول الله مع أنهم كان بإمكانهم المطاولة في الحصار، فأمر رسول الله بهم أن يقيدوا، وقيدوا فعلاً، فجاءت الأوس إلى رسول الله،وكانوا محالفين لبني قريظة في الجاهلية، فقالوا: يا رسول الله، قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت، وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا، فأحسن فيهم .
فقال: "أَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟"
قالوا: بلى .
قال: "فَذَاكَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ".
قالوا: قد رضينا .
فأرسل رسول الله في طلب سعد بن معاذ؛ لأنه كان في المدينة، لإصابته البالغة التي تعرض لها في غزوة الأحزاب، فجاء راكبًا حمارًا، فالتف حوله الأوس، وقالوا له: يا سعد، أجمل في مواليك، فأحسن فيهم؛ فإن رسول الله قد حكمك لتحسن فيهم وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئًا، فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم .
فلما سمعوا ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة فنعى لهم القوم .
ولما انتهى سعد إلى النبي قال للصحابة: "قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ".
فلما أنزلوه قالوا: يا سعد، إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك .
قال: وحكمي نافذ عليهم؟
قالوا: نعم .
قال: وعلى المسلمين؟
قالوا: نعم .
قال: وعلى من هاهنا؟ وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية رسول الله إجلالاً له وتعظيمًا .
قال: "نَعَمْ، وَعَلَيَّ".
قال: فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال.
فقال رسول الله : "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ"
بالفعل إنه حكم الله في التوراة كما رأينا من قبل بعثة النبي بألاف السنيين إنه حكم الله سبحانه من فوق سبع سماوات .
وعلى الفور بدأ المسلمون بتنفيذ حكم سعدٍ (حكم الله وحكم التوراة بسفر أشعياء) فجمعوا الرجال، فقتلوهم، وهكذا قتل من اليهود أربعمائة رجل وفي رواية سبعمائة وقتل مع هؤلاء شيطان بني النضير، وأحد أكابر مجرمي معركة الأحزاب حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان قد دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان؛ وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه حينما جاء يثيره على الغدر والخيانة أيام غزوة الأحزاب، فلما أتي به، وعليه حُلَّة قد شقها من كل ناحية بقدر أنملة لئلا يُسْلَبَها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فقال لرسول الله :
أما والله ما لمت نفسي في معاداتك، ولكن من يُغالب الله يُغْلَب ثم قال: أيها الناس، لا بأس بأمر الله، كتاب وقَدَر ومَلْحَمَة كتبها الله على بني إسرائيل، ثم جلس، فضربت عنقه، فقتل .
لقد وضح جلياً من كلام حيي بن أخطب السابق أنه مدرك النص السابق لسفر أشعياء بالتوراة وأنه مكتوب عليهم هذا الذبح وهذه المأساة بسبب شركهم بالله وخيانتهم لرسول الله الذي يعرفه جيداً كأحد كما أقسم بالله لأخيه أباياسر بن الأخطب ولكنه الحقد والكفر والخيانة ولا أحد يستطيع الفوز الإنتصار علي الله سبحانه ورسوله وجنده (ومن يغالب الله يغلب) .
ونجى فى تلك الليلة عمرو بن سعدى، وكان رجلاً لم يدخل مع بني قريظة في غدرهم أي أن القتل كان للغادرين فقط، فمن لم يغدر معهم، لم يقتله المسلمون، فرآه محمد بن مسلمة قائد الحرس النبوي، فخلى سبيله حين عرفه، فلم يعلم أين ذهب؟
وليس هناك مجال للقول أنه كان هناك تجاوز في العقاب الذي وقع باليهود في بني قريظة، فإن هذا ما كانوا يريدون فعله بالمؤمنين منذ أيام قليلة مع كونهم كانوا على العهد، والجزاء من جنس العمل ولا يحق المكر السيئ إلا بأهله وهذا حكم كتابهم التوراة فيهم ونبؤته بكفرهم وغدرهم وشركهم .
وفاة سعد بن معاذ
وسبحان الله! بعد ما انتهت قصة بني قريظة استجاب الله لدعوة العبد الصالح سعد بن معاذ فانفجر جرحه وسالت منه الدماء حتى خرجت من خارج خيمته ليلقى ربه سعيدًا راضيًا، ويكفيه ما قاله في حقه كما جاء في البخاري، وفي الصحيحين عن جابر أن رسول الله قال:
"اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ".
هذا القليل من سيرة نبي الاسلام بكتبهم المقدسة رغم تحريفها,إنهم حقاً يعرفونه كما يعرفون أبنائهم صلي الله عليه وسلم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة146.
هذا والحمد لله رب العالمين
بريكة نت
صورة لما تبقى من مساكن بين قريظة في وادي خيبر
|
إعداد الشيخ طارق عبده اسماعيل
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله
أمابعد:-
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله
أمابعد:-
عندما نبحث في الكتاب المقدس المعروف الآن عند أهل الكتاب يجب ألا ننسي أننا نبحث في ركام من التحريف سواء بالحذف أو الإضافة أو تبديل كلام الله عن مواضعه.
ولكن هذا لن يكون عائق أو مانع عن وجود أيات صحيحة المتن بمحتوي النص العام في كتابهم المقدس الحالي .
والأن مع بعض النصوص بكتابهم المقدس الحالي التي تخص غزوة بني قريظة:-
11اما انتم الذين تركوا الرب ونسوا جبل قدسي ورتبوا للسعد الاكبر مائدة وملاوا للسعد الاصغر خمرا ممزوجة 12 فاني اعينكم للسيف وتجثون كلكم للذبح لاني دعوت فلم تجيبوا.تكلمت فلم تسمعوا بل عملتم الشر في عيني واخترتم ما لم اسر به. 13 لذلك هكذا قال السيد الرب.هوذا عبيدي ياكلون وانتم تجوعون.هوذا عبيدي يشربون وانتم تعطشون.هوذا عبيدي يفرحون وانتم تخزون. 14 هوذا عبيدي يترنمون من طيبة القلب وانتم تصرخون من كابة القلب ومن انكسار الروح تولولون. 15 وتخلفون اسمكم لعنة لمختاري فيميتك السيد الرب ويسمي عبيده اسما اخر 16 . (سفر أشعياء الإصحاح الخامس والستون)
وفى ترجمة الكتاب المقدس سنة 1995م بلبنان نجد بدل كلمة السعد الأكبر التي في أول النص نجد كلمة(جاد)وبدل كلمة السعد الأصغر نجد كلمة(مناة) والنص هكذا" ونسيتم جبلى المقدس. وهيأتم مائدة للإله جاد ، ومزجتم الخمر للإلهة مناة " والتعليق عندهم: جاد ومناة إلهان عند الكنعانيين,والإختلاف في النصوص واضح أن سببه التحريف لوضوح لفظ (مناة) أنه الصنم الذي حكي عنه القرأن الكريم (ومناة الثالثة الأخري) وأكيد أن (الجاد ومناة) هما بالتالي ما حكي عنهما القرأن الكريم وسماهما(الجبت والطاغوت) وأثبت عبادة اليهود لهم وهكذا سجل التاريخ هذه المَعرة اليهودية،وصور هذه العورة الإسرائيلية في هذا المشهد المخزي من أناس يدَّعون انتسابهم للشرائع السماوية وشهدوا زورًا وكذبًا بصحة دين الأصنام وأحقيته على دين خير الأنام في سبيل لرأب إختلاف العقيدة وتوحيد العزم بينهم وبين المشركين للقضاء علي الاسلام ونبيه .
وبصرف النظر عن الأسماء أياً كانت السعد هى مناة والجبت هي جاد فدلالة النص بسفر أشعياء السابق تبين أنهم نسوا الرب سبحانه عبدوا إلهين غير الله سبحانه وقدموا لهم الموائد والخمر كقرابين وقد سجل القرأن الكريم ذلك الموقف والمثني من هذين الألهين (الجبت والطاغوت) وأكده مسجِلاً مساندة يهودية لدين الأوثان وعبادة غير الله وذلك لتوحيد صفوف الأحزاب للقضاء علي الاسلام وخاتم الأنبياء :
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ، وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا : هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً، أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ، وَمَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا } [سورة النساء أية :51]
وقد نزلت هذه الأيات الكريمة في كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وحرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودعوة العرب لذلك فيما يسمى بغزوة الأحزاب حين قال لهم أبو سفيان ومن معه من المشركين ( أنحن أهدى سبيلا ونحن ولاة نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني ونفعل أم محمد وقد خالف دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم؟ ) فقالو :-(بل أنتم أقوم طريقا) إنه العار الذي لحق بالأمة اليهودية صاحبة الكتاب السماوي، لـمَّا تحالفت مع الوثنية ضد التوحيد .
وإذا رجعنا لنص أشعياء نجد النص يرسم لنا صورة تفصلية لمشهد القصاص وضرب الأعناق بالسيف والجثو علي الركب كماسنتبين ذلك من قصة غزوة بني قريظة من خلال السيرة النبوية وذبح هؤلاء الخونة لعقيدة التوحيد والمتأمرين علي النبي وأصحابه :
11اما انتم الذين تركوا الرب ونسوا جبل قدسي ورتبوا للسعد الاكبر مائدة وملاوا للسعد الاصغر خمرا ممزوجة 12 فاني اعينكم للسيف وتجثون كلكم للذبح لاني دعوت فلم تجيبوا.تكلمت فلم تسمعوا بل عملتم الشر في عيني واخترتم ما لم اسر به. 13 لذلك هكذا قال السيد الرب.هوذا عبيدي ياكلون وانتم تجوعون.هوذا عبيدي يشربون وانتم تعطشون.هوذا عبيدي يفرحون وانتم تخزون. 14 هوذا عبيدي يترنمون من طيبة القلب وانتم تصرخون من كابة القلب ومن انكسار الروح تولولون. 15 وتخلفون اسمكم لعنة لمختاري فيميتك السيد الرب ويسمي عبيده اسما اخر 16.
بعد أن قص النص نسيانهم لله سبحانه وشركهم بهذين الصنمين بعد تركهم كذلك كلام الله سبحانه ودعوته لهم ومقابلة ذلك منهم بالكفر والسعي بالشر تجاه مختاره وعبيده الصالحين مما جعل الله سبحانه يقودهم للذبح بالسيف وهم جاثين علي الركب بسبب ذلك الشر الذي فعلوه وسيكون هذا الذبح علي يد عباد الله سبحانه الطيبين القلب وسيكون إسمهم ليس إسم(اليهود)بل هذا الإسم سيكون مقرون باللعنة والغضب كلما أعلن أحد عنه أمام المؤمنين ولقد حبسهم رسول الله صلي الله عليه وسلم في مبني كبير كماسنبين أحداث الغزوة لاحقاً وجاء بهم المؤمنون فرداً فرداً مرعبون يولولون يقودونهم للذبح
ويقول نص أخر في وصف قائد هذه الغزوة :-
لساني قلم كاتب ماهر 2 أنت ابرع جمالا من بني البشر.انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الابد. 3 تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاءك. 4 وبجلالك اقتحم.اركب.من اجل الحق والدعة والبر فتريك يمينك مخاوف. 5 نبلك المسنونة في قلب اعداء الملك.شعوب تحتك يسقطون 6 كرسيك يا الله الى دهر الدهور.قضيب استقامة قضيب ملكك. 7 احببت البر وابغضت الاثم من اجل ذلك مسحك الله الهك بدهن الابتهاج اكثر من رفقائك. 8 كل ثيابك مرّ وعود وسليخة.من قصور العاج سرّتك الاوتار.9 بنات ملوك بين محظياتك.جعلت الملكة عن يمينك بذهب اوفير 10 اسمعي يا بنت وانظري واميلي اذنك وانسي شعبك وبيت ابيك 11 فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له....){المزامير 45}
فمن هو علي ذاك القائد الذي فيه هذه الصفات المباركة التالية:-
1- اللسان قلم والنعمة التي علي الشفايف مباركة إلي الأبد,لهي إشارة واضحة لأمية النبي محمد صلي الله عليه وسلم وأن وحيه باللسان وكلام الشفايف مبارك إلي الأبد كما قال سبحانه :-(وماينطق عن الهوي) سورة النجم
2- هذه الشخصية المباركة يبين النص أنها مجاهدة وراكبة في سبيل الله لنشر الحق والخير,ويستعمل السيف والسلاح من أجل ذلك,ومعلوم أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد قصوا الكثير من جهاد الرسول والمؤمنين وإنه سوف ينتصر علي شعوب كثيرة وليس شعب واحد كما كان كل الأنبياء عدا النبي محمد صلى الله عليه وسلم,فكل نبي بعثه الله لقومه إلا هو فبعثه الله للناس كافة,ولذا قد نصره الله سبحانه في جهاده وغزواته علي مشركين الأصنام وعلى اليهود وعلى النصارى بجزيرة العرب,وأذعن له نصارى اليمن والروم بالشام ومصر والحبشة,وأهلك الله سبحانه كسرى ملك الفرس وبايع عامله باليمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- سيرته عطرة وبخوره هو العود,ولقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم العود وله عليه أحاديث كثيرة,ومازالت العرب بالجزيرة العربية من أشهر وأكثر مستخدمي العود كبخور وعطور,فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال :"إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءةً لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة ، وأزواجهم الحور العين.." البخاري 3327 مسلم 7078 وزاد في رواية البخاري :" ومجامرهم الألوة الألَنجُوج عود الطيب (مسحك الله الهك بدهن الابتهاج اكثر من رفقائك) وهذا لا يحتاج لتفسير غير أنه أفضل المرسلين وإمامهم وسيد ولد أدم ولا فخر كما أخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم
4-(بنات ملوك بين محظياتك.جعلت الملكة عن يمينك بذهب اوفير 10 اسمعي يا بنت وانظري واميلي اذنك وانسي شعبك وبيت ابيك 11 فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له) وهذا حدث بالفعل مع رسول الله صلي الله عليه وسلم دون غيره من الرسل فكانوا ثلاثة من بنات الملوك إماء له بالأسر(محظيات)وهن جويرية بنت الحارث بنت ملك ثقيف والطائف ومارية القبطية أهداها للنبي المقوفس ملك مصر وهي بنت أحد ملوك بلدة من البلاد وصفية بنت حيي بنت ملك يهود بني النضير .
والأخيرة كما ذكر النص قد نسيت بيت أبيها ونسيت شعبها وكفره وعناده وأسلمت وتزوجت رسول الله بعد أن كانت أمة له صلي الله عليه وسلم .
إن أبوها هو(حيي بن الأخطب) وهو من أعلن عداوته لرسول الله وجهز وألب جيوش مشركي العرب وجمعهم بغزوة الأحزاب ثم دفع بني قريظة لخيانة العهد,وكانت ابنته صفية أمة لملك يمين رسول الله بعد قتل أبوها وشعبه من بني قريظة علي يد رسول الله والصحابة في نهاية الغزوة وبالفعل نسيت صفية بنت حيي أبوها وبيته وشعبها وكفره وأسلمت طائعة مؤمنة تقية لله رب العالمين وأعتقها رسول الله وتزوجها وكانت أم المؤمنين,طائعة لله ولزوجها رسول الله,ولعل طاعتها كانت هي المقصودة بالسجود في النص السابق,لان ذلك كان معروف عند بني إسرائيل كما في قصة يوسف عليه السلام عندما سجدوا له إخوته وهو في الملك .
إنه من العجيب أن تصبح يهودية أماً للمؤمنين بعد إسلامها إلا أن تكون قد نسيت شعبها المغضوب عليه بالفعل,وإن قصة صفية بنت حيي رضي الله عنها لجديرة بالتدبر في كيفية مراقبة الفتاة الزكية لسير الهدي من حولها في المدينة المنورة,لقد تابعت الفتاة صفية بنت حيي عن قرب شهادة أبوها وعمها أن محمداً هو النبي المنتظر الموجود بالتوراة ,وذلك حين قدوم رسول الله للمدينة المنورة في بداية العام الهجري الأول,ثم تفاجأت من أبوها وعمها رغم هذه الشهادة بإعلان عدواتهما للنبي صلي الله عليه وسلم ثم عاصرت بعد ذلك بسنوات انتصار رسول الله والمؤمنين في غزوة الأحزاب ثم سقوط ملك أبيها وملك بني قريظة والنضير وقتلهم وتشريدهم علي يد رسول الله وصحابته في غزوة بني قريظة,فنسيت أبيها وقومها وعرفت أنهم لايستحقوا غير ذلك لإنها شاهدت عدواتهم وكفرهم بعد علم اليقين وشهادته أبيها بلسانه أمامها أن محمد هو رسول الله النبي الخاتم الذي يجدونه مكتوب عندهم بالتوارة,فأمنت برسول الله صلي الله عليه وسلم والإسلام عن قناعة ورضي وطمأنينة لاتتزعزع,وهي مِن سِبطِ اللاَّوِي بن نبى الله اسرائيل بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السلام ثم من ذرية نبى الله هارون عليه السلام,وحيي بن أخطب كان يومئذ سيد اليهود، وهو من بني النضير.
تروى صفية بنت حيي بدايتها مع الاسلام فتقول:
لم يكن أحد من أبي وعمي أحب إليهما مني، لم ألقهما في ولد لهما قط أهش إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول صلى الله عليه وسلم قباء - قرية بني عمرو بن عوف - غدا إليه أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين، فوالله ما جاآنا إلا مع مغيب الشمس.
فجاآنا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا، فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما نظر إلي واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟
قال: نعم والله !
قال: تعرفه بنعته وصفته؟
قال نعم والله !
قال: فماذا في نفسك منه؟
قال: عداوته والله ما بقيت .
وقد رأت صفية رضي الله عنها في منامها كأن قمر السماء قد سقط في حجرها فقصت رؤياها على ابن عمها فلطم وجهها وقال: أتتمنين ملك يثرب أن يصير بعلك فما كان إلا مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصاره إياهم، فكانت صفية في جملة سبي غزوة بني قريظة وكانت عروساً لرسول الله صلي الله عليه وسلم.
ولكن كيف بدأت الغزوة؟
لم يترك بنو قريظة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خيارا آخر، بل ولم يقدموا حتى لأنفسهم ما يسمح له صلى الله عليه وسلم أن يمهلهم، وإنما أثبتوا بكل ما استطاعوا أنهم خطر الخيانة والغدر ونقض العهد والتبييت لقتل المسلمين إن لم يستأصلهم المسلمون في أسرع وقت، وهذا ما حدث، فسار الرسول إليهم بمجرد أن انسحب الأحزاب وحاصرهم حتى استسلموا له
فإن كانت قصة الأحزاب قد انتهت فقصة بني قريظة لم تنته بعد،فاليهود أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء المؤمنين وأعداء الحق وأعداء الأخلاق الحميدة .
رجع الرسول من الخندق بعد صلاة الصبح وذهب إلى بيته بعد غياب قرابة الشهر وبعد عناء كبير ومشقة بالغة اغتسل ، فإذا بجبريل قد جاء عند الظهر فقال له: قد وضعت السلاح؟! والله ما وضعناه. أي: نحن الملائكة لم نضعه بعد.
بل في رواية عن السيدة عائشة في الطبري تقول: فكأني بالرسول يمسح الغبار عن وجه جبريل. أي أن جبريل كان يقاتل قتالاً حقيقيًّا في أرض المعركة.
قال جبريل: اخْرُجْ إِلَيْهِمْ.
قال النبي : "فَأَيْنَ؟"فأشار إلى بني قريظة.
وفي رواية أن جبريل قال: "فَإِنِّي سَائِرٌ أَمَامَكَ أُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَأَقْذِفُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ".
وهكذا سار جبريل في موكبه من الملائكة، أما الرسول فقد أمر المسلمين بالتوجه السريع إلى بني قريظة، لم يمهلهم حتى يرتاحوا بعد هذا الشهر الصعب من الحرب والحصار، الراحة هناك في الجنة أما الدنيا فدار عمل، قال لهم: "لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ".
وهكذا اجتمع الرسول والصحابة في ثلاثة آلاف مقاتل ( غير الملائكة) في حصار بني قريظة، واستمر الحصار خمسًا وعشرين ليلة .
هل نتصور أن يستمر الحصار كل هذه المدة، بعد جهد ومشقة كان المسلمون فيها منذ شهر بأكمله، ألا يزال بوسعهم أن يحاصروا اليهود، بل ويتحولون من محاصَرين إلى محاصِرين، لقد تغير الحال في لحظات من الهزيمة إلى النصر.
مَا بَيْنَ طَرْفَةِ عَيْنٍ وَانْتِبَاهَتِهَا *** يُبَدِّلُ اللَّهُ مِنْ حَالٍ إلى حَـالٍ
نهاية الحصار وتحكيم سعد بن معاذ
وفي نهاية ذلك الحصار قذف الله الرعب في قلوب اليهود، فاستسلموا وخضعوا لحكم رسول الله مع أنهم كان بإمكانهم المطاولة في الحصار، فأمر رسول الله بهم أن يقيدوا، وقيدوا فعلاً، فجاءت الأوس إلى رسول الله،وكانوا محالفين لبني قريظة في الجاهلية، فقالوا: يا رسول الله، قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت، وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا، فأحسن فيهم .
فقال: "أَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟"
قالوا: بلى .
قال: "فَذَاكَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ".
قالوا: قد رضينا .
فأرسل رسول الله في طلب سعد بن معاذ؛ لأنه كان في المدينة، لإصابته البالغة التي تعرض لها في غزوة الأحزاب، فجاء راكبًا حمارًا، فالتف حوله الأوس، وقالوا له: يا سعد، أجمل في مواليك، فأحسن فيهم؛ فإن رسول الله قد حكمك لتحسن فيهم وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئًا، فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم .
فلما سمعوا ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة فنعى لهم القوم .
ولما انتهى سعد إلى النبي قال للصحابة: "قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ".
فلما أنزلوه قالوا: يا سعد، إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك .
قال: وحكمي نافذ عليهم؟
قالوا: نعم .
قال: وعلى المسلمين؟
قالوا: نعم .
قال: وعلى من هاهنا؟ وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية رسول الله إجلالاً له وتعظيمًا .
قال: "نَعَمْ، وَعَلَيَّ".
قال: فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال.
فقال رسول الله : "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ"
بالفعل إنه حكم الله في التوراة كما رأينا من قبل بعثة النبي بألاف السنيين إنه حكم الله سبحانه من فوق سبع سماوات .
وعلى الفور بدأ المسلمون بتنفيذ حكم سعدٍ (حكم الله وحكم التوراة بسفر أشعياء) فجمعوا الرجال، فقتلوهم، وهكذا قتل من اليهود أربعمائة رجل وفي رواية سبعمائة وقتل مع هؤلاء شيطان بني النضير، وأحد أكابر مجرمي معركة الأحزاب حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان قد دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان؛ وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه حينما جاء يثيره على الغدر والخيانة أيام غزوة الأحزاب، فلما أتي به، وعليه حُلَّة قد شقها من كل ناحية بقدر أنملة لئلا يُسْلَبَها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فقال لرسول الله :
أما والله ما لمت نفسي في معاداتك، ولكن من يُغالب الله يُغْلَب ثم قال: أيها الناس، لا بأس بأمر الله، كتاب وقَدَر ومَلْحَمَة كتبها الله على بني إسرائيل، ثم جلس، فضربت عنقه، فقتل .
لقد وضح جلياً من كلام حيي بن أخطب السابق أنه مدرك النص السابق لسفر أشعياء بالتوراة وأنه مكتوب عليهم هذا الذبح وهذه المأساة بسبب شركهم بالله وخيانتهم لرسول الله الذي يعرفه جيداً كأحد كما أقسم بالله لأخيه أباياسر بن الأخطب ولكنه الحقد والكفر والخيانة ولا أحد يستطيع الفوز الإنتصار علي الله سبحانه ورسوله وجنده (ومن يغالب الله يغلب) .
ونجى فى تلك الليلة عمرو بن سعدى، وكان رجلاً لم يدخل مع بني قريظة في غدرهم أي أن القتل كان للغادرين فقط، فمن لم يغدر معهم، لم يقتله المسلمون، فرآه محمد بن مسلمة قائد الحرس النبوي، فخلى سبيله حين عرفه، فلم يعلم أين ذهب؟
وليس هناك مجال للقول أنه كان هناك تجاوز في العقاب الذي وقع باليهود في بني قريظة، فإن هذا ما كانوا يريدون فعله بالمؤمنين منذ أيام قليلة مع كونهم كانوا على العهد، والجزاء من جنس العمل ولا يحق المكر السيئ إلا بأهله وهذا حكم كتابهم التوراة فيهم ونبؤته بكفرهم وغدرهم وشركهم .
وفاة سعد بن معاذ
وسبحان الله! بعد ما انتهت قصة بني قريظة استجاب الله لدعوة العبد الصالح سعد بن معاذ فانفجر جرحه وسالت منه الدماء حتى خرجت من خارج خيمته ليلقى ربه سعيدًا راضيًا، ويكفيه ما قاله في حقه كما جاء في البخاري، وفي الصحيحين عن جابر أن رسول الله قال:
"اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ".
هذا القليل من سيرة نبي الاسلام بكتبهم المقدسة رغم تحريفها,إنهم حقاً يعرفونه كما يعرفون أبنائهم صلي الله عليه وسلم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة146.
هذا والحمد لله رب العالمين
بريكة نت
إرسال تعليق